باب القدر باب عظيم من أبواب الإيمان؛ وأول شرك وقع في هذه الأمة وقع فيه، والإيمان بالقدر لا تحفى أهميته فهو أحد أركان الإيمان الستة التي جاءت في الحديث العظيم المشهور حديث جبريل عَلَيْهِ السَّلام لما جَاءَ إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر عمره بعد أن اكتملت الشريعة، وأبان الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى الدين وأظهره، كما روى ذلك عُمَر رضي الله تَعَالَى عنه {بينما نَحْنُ جلوس عند رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد}.
فأفضل خلق الله تَعَالَى من الملائكة جَاءَ ليبين لهذه الأمة دينها، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند انصرافه: {يا عُمَرأتدري من السائل قَالَ: قلت: الله ورسوله أعلم، قال هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم} فسأله عن أركان الإسلام عَلَى أرجح الروايات، ثُمَّ سأله بعد ذلك عن أركان الإيمان فقَالَ:
{أخبرني عن الإيمان فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت}.
فجعل الإيمان بالقدر ركنا من أركان الإيمان، وبهذا لا يمكن أن يؤمن أحد عَلَى الحقيقة إلا إذا آمن بالقدر، والإيمان بالقدر نعمة من نعم الله فوق أنه ركن من أركان الإيمان وعبادة لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ومع ذلك يغفل عنه أكثر النَّاس ولا يأبهون به، بل أكثر خلق الله اليوم وفي كل زمان معترضون عَلَى أقدار الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فكما أنهم يعترضون عَلَى أوامر الله الشرعية الدينية ويعصون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بمخالفة أمره ونهيه، كذلك يعترضون عَلَى أقداره وعلى ما يبتلون به من المصائب والنكبات التي لا يرضون بها مما يقع في هذا الكون.